Yazı

دراسة نقدية عن مسرح عدالت أغا أوغلو / محمد حقي صوتشين

يتبوأ التأليف المسرحي لعدالت آغا أوغلو مركزاً بارزاً في الأدب التركي المسرحي ورائداً، لما يمثله من خصوصية في الأسلوب والتعبير انفردت بها الكاتبة عن غيرها من رواد المسرح التركي القديم والمعاصر.

تلجأ عدالت آغا أوغلو في كتابة نصوصها إلى مجموعة من الأدوات الإجرائية لعل أهمها مفهوم “القارئ الضمني”، الذي يبين من خلاله ارتباط القارئ بالعالم الداخلي للنص، وكيفية توجيه النص للقارئ أثناء بنائها للمعنى التأويلي، من خلال المحافظة على المنظور النقدي، مع الإشارة إلى الهيكل النمطي للمجتمع، والسعي إلى كشف الآليات التي تعزز هذه الصور النمطية، دون أن تفرض أفكارها الخاصة في النص، كي تسمح للقارئ في المشاركة في بلورة المعنى والسعي إلى كشف الغامض والمستتر من خلال الواضح المكشوف، أي اكتشاف ما لم يقله النص.

لا نهايات محددة أو “اليقين” في النصوص المسرحية لآغا أوغلو، لا تقدّم أجوبة بقدر ما يتيح النص. تهوى ترك الباب مفتوحاً، باعتبار القارئ شريكاً أساسياً في العمل الإبداعي، كي تتيح له فرصة للاستنتاج والتكملة، وتجعل من القارئ مؤلفاً ثانياً أو شبه مؤلف لكي يضيف من عنده، ويحس بأنه يشترك في هذا العالم. 

تتجاوز آغا أوغلو حدود أنماط المسرح التقليدي، في تواصلها مع القارئ، وتستند في غالبية نصوصها إلى السرد الرمزي والمجرد. تختار شخوصها من الحياة اليومية أحياناً، لتتيح للقارئ القيام بالمشابهة، ويرى الوضع الذي يعيشه، وتستخدم الأسلوب الرمزي والمجرد أحياناً أخرى، ليقوم بالتأويل، ويرى الوضع الذي يعيشه. كما تستخدم الديكور لتعبّر عن هوية شخوصها، وتطلق عليهم من الأسماء حسب موقعهم الاجتماعي، لتكشف قيود المجتمع المفروضة عليهم. تستخدم الديكور المتزامن، والقفز الزمكاني، وتغلق على شخوصها في غرفة واحدة، أو تستخدم ديكورات رمزية.  

تسعى آغا أوغلو من خلال ذلك، النأي بالقارئ من موقع المتلقّن، إلى تفعيل دوره، وتحريره من السلبية، وتحفيزه للتفكير بما خلف السطور. وهكذا يدرك القارئ ماهية العلاقات الاجتماعية القائمة في المجتمع، ويحلّل ما خلف هذه العلاقات من خلال معطيات النص ويملأ فراغاتها البيضاء. الرموز المستخدمة في النص، وأشكال التعبير، وأشكال الخطاب، والديكور، والقفز الزمكاني، كل ذلك يمثّل أساساً لمسرحياتها، تهدف من خلاله إضفاء جو من التشويق، بالإضافة إلى دعوة القارئ لسبر أغوار شخوصها.

كما نلاحظ أن عدالت آغا أوغلو لا تعرض وجهة نظر محددة على قارئ مسرحياتها، ولا تطرح حلولاً لأحداث مسرحياتها، تاركة نهاية تلك الأحداث معلقة. تعرض مشاهد مجتزأة من أحداث الحياة اليومية، وتترك للقارئ تدبّر الحلول واستخلاصها. وتحاول الكاتبة أن تسمو بالقارئ، بجعله قارئاً مرتجلاً، لا يكتفي بالجاهز، بل يبحث عن الاستكشاف والتأويل، بغية الوصول إلى أعماق النص واستشراق آفاق جديدة مدسوسة في ثناياه.

كما نرى أيضاً، أن آغا أوغلو تتناول قضايا المرأة كمحور في مواضيع نصوصها، وتكشف دور الخطاب التقليدي المهيمن في التأثير على وضع المرأة ومختلف طرق تأثيره. رغم وجود المرأة كمحور لكنها تمضي حياتها تحت جناح الآخرين. أما حجر الأساس الذي يستند إليه الخطاب المهيمن باضطهاد المرأة فهو الافتقار إلى التعليم والتقاليد والمعتقدات الدينية المغلوطة، وبينما لا تألو القوى المهيمنة جهداً لبسط نفوذها من خلال تعزيز خطابها، في حين، يسعى الكتّاب للنضال المعاكس من خلال مسرحياتهم.

تناقش آغا أوغلو مفهوم الهيمنة في مسرحياتها أيضاً. ذلك يؤدي إلى إذعان المرأة للأنماط السلوكية التي يتبنّاها ويفرضها المجتمع عليها. يبدأ انقياد المرأة لهذه الأنماط السلوكية المفروضة، من مرحلة الطفولة، مما يقودها إلى عدم التفكير بواقعها المعاش في المستقبل، وحتى لو فكّرت بمناقشة نمط حياتها هذا، سرعان ما يُعزى ذلك إلى مفهوم القضاء والقدر المغلوط. تحطّم آغا أوغلو هذه الأنماط السلوكية في مسرحياتها، وتتعامل مع القوى المهيمنة والأيديولوجيات القائمة في المجتمع بمفهوم النقد الاجتماعي.

تتناول آغا أوغلو وضع المرأة وتنقله إلى القارئ، باعتماد أسلوب الكتابة النسائية الناقدة، وتلفت الانتباه إلى دور القوى المهيمنة في التأثير على المرأة ووضعها في ظل العالم البطركي. كما تتطرق الكاتبة إلى الدور المناط للمرأة في ظل النظام البطركي، وحجم حقوقها، والعقبات التي تعترضها في ظل النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم، وسبل حل هذه المشاكل. كما تطرح الكاتبة تساؤلات حول مدى حصول المرأة على هويتها الخاصة، والتضحيات التي تبذلها للحصول عليها. تناقش ذلك من خلال طرح علاقة الأب مع ابنته، والأخ مع شقيقته، والمرأة المسنة مع زوجها المسن، والأم مع ابنتها، كما تتناوله أيضاً من خلال علاقات النساء فيما بينهن، أو دون وجود شخصية للمرأة بين شخوص مسرحيتها. الهدف الرئيسي للكاتبة من تناول هذه العلاقات المختلفة في مسرحياتها، هو فضح التمييز الجنسي الاجتماعي الممارس ضد المرأة ونظام التطور الاجتماعي القائم على هذا التمييز.

تكتب آغا أوغلو مسرحياتها بمقاربة نقدية نسائية، لتكسر جمود مكانة المرأة في المجتمع، دون اللجوء إلى العبارات والخطابات النمطية. نرى في مسرحياتها سيدات أعمال ناجحات، أو اللاتي استطعن التحرر من القيود المفروضة على المرأة، رغم كل الصعوبات. الهدف الرئيسي للكاتبة هو الكشف عن دور القوى الرأسمالية في تهميش المرأة، ومدى سعيها لترسيخ هذا التهميش. كما توضّح أن هناك من النساء من استطعن نيل حريتهن، رغم كل هذه الضغوط. لكننا لا نجد شخوصاً للمرأة النمطية في مسرحياتها، بل شخوصاً للمرأة التي تكسر الخطاب النمطي والمظلِّل، ومقدرتها على الاعتماد على ذاتها.

تشكّل مسرحيات عدالت آغا أوغلو وحدة متكاملة، تتضمن أسباب تجنب المرأة المشاركة في عملية تحررها، والعقبات التي تواجهها إذا حاولت التمرد والتحرر من قيود المجتمع النمطية، وما تتعرض له من تنجح بالتحرر أو من تفشل بالتحرر من عقبات.

تطرح آغا أوغلو في مسرحياتها هذه الأفكار: خوف شخوصها النسائية من العالم الخارجي، وطرق خداع المرأة بسوء هذا العالم الخارجي، تعرّض المرأة للقمع منذ طفولتها، والمشاكل التي تواجهها في حياتها المستقبلية جراء هذا القمع، طمس الهوية الجنسية للمرأة، وإجبارها على ممارسة الدور الذي فُرض عليها. إلى جانب ذلك، تعطي الكاتبة أهمية لأثاث البيت حيث تمضي المرأة حياتها، وما ترتدي من ثياب، وألعابها في مرحلة الطفولة، والأفكار المفروضة عليها من زوجها، وأبيها، وأخيها، وعلاقة هذه الأفكار بالقوى المهيمنة والخطاب السائد في المجتمع.

لا تكتفي الكاتبة بلفت الانتباه إلى نمط حياة المرأة فحسب، بل تلفت الانتباه إلى أبعد من ذلك، إلى دور القوى المهيمنة في ترسيخ وضع المرأة المهمش في المجتمع، وإلى مدى تأثير هذه القوى على المجتمع ومؤسساته، وعلى أنماط عيشه وتفكيره. وتسعى من خلال ذلك، أن يدرك القارئ أن النظام النمطي المعتمد والسائد في المجتمع ليس قاعدة ثابتة، وإن بدا أنه غير قابل للتغيير، وأنه لا يستند إلا على القوى المهيمنة في المجتمع.

اللغة والمكان وسيلتا الكاتبة للتواصل مع قارئها. ما يردده شخوص مسرحياتها من خطاب وأمثال وتعابير درامية، تهدف من ورائه، كشف دور القوى المهيمنة بفرض أشكال معينة من الخطاب النمطي والتفكير على الإنسان والمجتمع. أما المكان، فهو الغرفة والبيت حيث تحبس فيهما المرأة وتقضي معظم أوقاتها. لذلك فاللغة والمكان هما الجسر الأهم الرابط ما بين القارئ وشخوصها. من خلالهما تؤكد الكاتبة أيضاً، على تشارك أيديولوجية هيمنة الذكور، قوى النظام البطركي والرأسمالي، وتكشف مدى خضوع وإذعان المرأة لهذه الهيمنة.

تختار الكاتبة طريقاً شائكاً في كتابة نصوصها، في سعيها لتحطيم التابوهات، ونقلها لنماذج من القيود المفروضة على المرأة إلى خشبة المسرح. إذ بدلاً من اختيارها طريقاً سهلاً بتكرار الخطاب الاجتماعي السائد، تلجأ في تواصلها مع القارئ لنصوصها، إلى استخدام عناصر المسرح العبثي واللامعقول والرمزي في نصوصها، وتترك له فراغات وفضاءات ليملأها بنفسه، فتحقق بذلك، ما تهدف إليه من تفعيلٍ لدور القارئ وتوضيحٍ لرؤياه، ليدرك بنفسه، حقيقة مجتمعه الذي يعيش في وسطه.

لا تقدّم الكاتبة الحل المثالي في نقدها الاجتماعي. تكشف آلية عمل الأيديولوجيات القائمة في المجتمع، وتترك مساحات من الفراغ لتتيح لقارئها مجالاً في الحرية بالتفكير. تذهب إلى التجريد في نصوصها، وتعطي مكاناً للرمز والقفز الزمكاني، لتفسح المجال لمخيلة القارئ بالتأويل ومضاعفة الفهم.

تغوص آغا أوغلو في أعماق مشاكل المرأة ذات العلاقة مع القوى المهيمنة، متحاشية الوقوع في الخطاب الخاطئ والإذعان للنظام البطركي، وتتناول الأبعاد النفسية والفكرية بالتوغل في أعماق اللاوعي لشخوص المرأة في مسرحيتها، لتعرض حياتها الخاصة في ظل النظام الاجتماعي القائم، مع التنويه إلى حالات لم تتمكن فيها المرأة من تمييز حقيقة واقعها، فتتابع نمط حياتها المفروضة عليها، وتقبلها له كأمر واقع.

تتناول آغا أوغلو قضايا المرأة من وجهة نظر موضوعية، من خلال الخبرة والمعرفة العميقة لهذه المشاكل. وحين تعرض النظام القائم في المجتمع والأيديولوجيات والأفراد، تلفت الانتباه إلى وضع البنية المتحجرة للمجتمع، ومدى ما يترتب على هذا الوضع من مساوئ للبشرية. ما تسعى إليه آغا أوغلو إلى جانب الوعي والتحرر على مستوى الفرد، هو الوعي والتحرر على مستوى المجتمع. وحين تسعى إلى كشف الوضع المهين للمرأة، تخلق رؤى مختلفة بتناولها وضع المرأة في طبقات اجتماعية مختلفة، دون اللجوء إلى التعميم. إلى جانب ذلك، تتناول كل ما تعانيه المرأة من أحداث وتفاصيل في ظل المجتمع سواء كان رأسمالياً أو ثوروياً.

تكشف آغا أوغلو في مسرحياتها، أن هناك ديمومة ما بين القوى المهيمنة وأيديولوجيتها. القوى المهيمنة تتعامل مع المرأة كمواطن من الدرجة الثانية. الخطوة الأولى: ينبغي على المرأة التحرر من الانقياد خلف أيديولوجية المواطن الثاني، أو على الأقل، الاقتناع بخطأ هذه الأيديولوجية، وترفضها في داخلها. توصل الكاتبة في مسرحياتها، أن المرأة التي تتقبّل معاملتها كمواطنة من الدرجة الثانية، ولا تسعى للتحرر من هذا الواقع، هي حبيسة دائرة مغلقة، لكن الكاتبة تشير إلى أن المرأة ليست وحدها حبيسة هذه الدائرة المغلقة فحسب، بل البشرية جمعاء حبيسة هذه الدائرة المغلقة أيضاً.

رغم تناول عدالت آغا أوغلو لقضايا المرأة في مسرحياتها، لا يمكن إدراج نصوصها ضمن الأدب المسرحي النسائي. لكنها تخلق بإبداع لا نظير له من أمثلة فريدة من النقد النسائي في المسرح التركي، من خلال رؤية جديدة لتناولها دور القوى المهيمنة في تشكيل مكانة المرأة في المجتمع. ونرى أنها تكسر جميع أنماط الكتابة الكلاسيكية وتمكن القارئ من إدراك وضع المرأة من زاوية مختلفة. تفعل آغا أوغلو ذلك بعين ناقدة لجميع أفكار النظام القائم في المجتمع. تظهر آغا أوغلو حيادية وموضوعية سامية في تواصلها مع قارئها، لكشف الأيديولوجيات المختلفة القائمة في المجتمع من نظام بطركي ورأسمالي، ودورها في صناعة البطل وتشكيل صورته بما يتلاءم ومصالحها، وتلفت النظر إلى موقع المرأة ومشاركتها في ظل هذه الأيديولوجيات. في كل مسرحية من مسرحياتها، تتناول الأيديولوجيات القائمة في المجتمع من زوايا مغايرة عن الأخرى، لتتيح للقارئ آفاقاً واسعة، يتمكن من خلالها الرؤية الأوضح للضغوطات الأساسية التي ترزح المرأة تحت نيرها، ومن زوايا مختلفة.

رغم أن آغا أوغلو تتطرّق إلى قضايا المرأة في جُلّ مسرحياتها، لكنها تنقل إلى القارئ أن هذه الظروف وبالٌ على الرجال والجيل الناشئ أيضاً. تكشف للعنان أن حل قضايا المرأة تبدأ من معرفة أسبابها. وهذا لا يتم دون وصول الناس إلى مستوى معين من الوعي والتعليم. في هذا الصدد، تتناول بالبحث الجمود الفكري، ودوره بإيقاف عجلة تطوّر المجتمع. توحي للقارئ لإمعان التفكير، ليصل إلى معرفة مدى التأثير السلبي لهذه الأوضاع على حياة البشر، ويكتشف بنفسه دور القوى النمطية بالتلاعب بعقول الدهماء. في هذا الصدد، تعطي آغا أوغلو أهمية لإضفاء العالمية على شخوص وأمكنة مسرحياتها. 

 كما تتناول آغا أوغلو معضلة الفرد إلى جانب هذه الأيديولوجيات، وتكشف أشكال المعايير الاجتماعية لصياغة الفرد وتشكيله داخل هذه المعضلة، وكيفية السيطرة على تفكير الناس، وأسلوب الناس في مواجهتهم للسلطة، ومدى تأثير هذه الأوضاع على المرأة. كما يمكن أن نقابل في مسرحيات عدالت آغا أوغلو، أشخاصاً من كل قطاعات المجتمع، وفي كل المواقع من قطاعات هذا المجتمع.

كما تتناول آغا أوغلو معضلة المجتمع من خلال كشف بنيته المتحجرة وغير القابلة للتطور. نرى في شخوص مسرحياتها، أشخاصاً قد تم تطبيعهم من قِبَل الأيديولوجيات والأنماط الاجتماعية القائمة والخطاب السائد، يتصرفون بسلوك القطيع، وطمست شخصيتهم الفردية، وحُوصروا في طريق مسدود. كما نرى أيضاً، أشخاصاً مثقفين، استطاعوا التحرر واستقلوا بشخصيتهم الفردية. ذلك يمثّل أحد أهم ملامح التنوع الظاهر في مسرحياتها.

تستخدم الكاتبة أسلوب كتابة مختلف في مناقشتها الأيديولوجيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والجنسية القائمة في المجتمع، وتتناول كل على حدة من زاوية مختلفة. تلفت الانتباه إلى وضع المرأة، على أساس أنها معضلة فردية، وتعرض صورة المرأة بشكل وزاوية مختلفة. كما تستخدم تقنية مسرح مختلفة، لتكسر الخطاب النمطي وتغيير صورة المرأة.

حين ندقق مضامين مسرحيات عدالت آغا أوغلو حسب تاريخ كتابتها لنصوصها، نلاحظ أن هناك أيديولوجيات مختلفة تسود حسب كل مرحلة، وهكذا فالأيديولوجيات السائدة هي صاحبة الدور بتحديد ورسم إطار العلاقات الاجتماعية. تعرض الكاتبة العلاقات الاجتماعية والخطاب السائد على نحو تجريدي، يمكن فهمه من خلال شخوص المرأة في مسرحياتها من سلوكها، ونمط حياتها، وما ترتديه من ثياب، ومكان إقامتها وما يترتب عليه من نمط لمعيشتها. كتبت مسرحياتها في السنوات التالية: لعبة الزواج: 1961-62، بينغو: 1963، صدع في السطح: 1964، على الحدود: 1967، موت بطل: 1968، الخروج: 1970، الأغنية التي كتبت نفسها: 1970-71، الشرانق: 1971، بعيد جداً قريب جداً: 1988-89، لتكشف الأيديولوجيات القائمة في المجتمع مثل: الانعزالية، والخوف من الخارج، والتقاليد، ومؤسسة الزواج، وعلاقات التسلط داخل البيت الواحد، والافتقار إلى التعليم، والقوى المهيمنة، والإيمان المغلوط بالقضاء والقدر، لتتيح للقارئ الإدراك والسعي لإعادة التفكير بوضع المرأة، خارج حدود الدائرة النمطية والأفكار المسبقة حولها.

رغم أن مسرحيات آغا أوغلو تستند إلى العناصر العبثية والمجردة وتتضمن صوراً رمزياً وخيالية، لكنها تتناغم وحقيقة الواقع المعاش، وبينما تتجاوز الكاتبة أنماط المسرح التقليدي بما تديره بحرفية من صور تجريدية، فإن التشابه القائم مع واقع الحياة يشير إلى حقائق قائمة في المجتمع على نحو محسوس، ويلفت انتباه القارئ إلى قوى السلطة ودور هذه القوى بطمس هوية المرأة وتهميشها.

يمكن القول إن الانعزالية والعبودية هما الفكرتان الأساسيتان اللتان تحتلان الصدارة في ما كتبته عدالت آغا أوغلو من مسرحيات في فترات زمنية مختلفة، وبأسلوب مغاير. المرأة هي الأشد شعوراً بالعيش مقيدة ومحرومة من إثبات ذاتها. كما أن المرأة سجينة التبعية الاقتصادية، والتقاليد، وأنماط العلاقة ما بينها والرجل، وتعمل الكاتبة على هذا المسار في مسرحياتها للتنفير منه وتمثيله من زوايا مختلفة، عن بعد وعن كثب، من الداخل والخارج، والغور في أعماق اللاوعي. إعادة قراءة النص ثانية بهذه العين الناقدة، والسعي إلى اكتشاف جوانبها المثيرة، مهمة تقع على عاتق القارئ المبدع، أو ما يمكن أن ندعوه بالقارئ الضمني، في حين تعنى الكاتبة بأسلوب كتابتها وعباراتها تاركة لهذا القارئ مساحات من الفراغات ليملأها بحرية، يتدبر الغوص في أعماقها ويستخلص خباياها بنفسه.

يحمل أسلوب كتابتها لمسرحيتي “الخروج” و”الشرانق”  ملامح المسرح العبثي، من خلال تناولها لمفهومي الخوف من العالم الخارجي والانعزالية، وتستعرض على نحو رمزي، العلاقة بين الرأسمالية والبطركية، والانعزالية والخوف من الخارج، والأشخاص المتعرضين للقمع والاضطهاد. شخصية الفتاة في مسرحية الخروج، تضع نهاية للسلطة البطركية، وتتحرر بكسر القيود المفروضة عليها، تخرج من البيت لتواجه المجهول في العالم الخارجي، غير آبهة بالنتائج المترتبة على تحررها. في حين، شخوص المرأة في مسرحية الشرانق، تظل حبيسة في عالمها المنغلق، تحت تأثير الخطاب السائد، تقطع علاقتها بالعالم الخارجي، وتظل متقوقعة في عالمها المفروض عليها.

أما مسرحياتها “لعبة الزواج”، و”بينغو”، و”صدع في السطح”، فنرى فيها نظرة تحليلية للتقاليد، ومؤسسة الزواج، والمفهوم الخاطئ للقضاء والقدر، من خلال تناولها للحياة الخاصة اليومية لشخوصها النسائية. كما تظهر الكاتبة في مسرحياتها الثلاثة هذه، مدى الضرر الذي يلحق بالرجل كما المرأة، جرّاء التقاليد، والزواج الفاشل، والمفهوم الخاطئ للقضاء والقدر، والأيديولوجيات المتحجرة الراسخة في المجتمع، وتكشف أن الافتقار إلى التعليم هو السبب الرئيسي للانصياع لهذه الأيديولوجيات، والتسليم بها كأمر واقع لا مردّ له.

وتعرض الكاتبة في مسرحيتي “موت بطل”، و”بعيد جداً- قريب جداً”، نظرة تحليلية للقبول الأعمى للخطاب السائد في المجتمع، مستخدمة تقنية كتابة مختلفة لنصوصها في كل من المسرحيتين. تستخدم القفز الزمكاني في مسرحية “بعيد جداً- قريب جداً”، في تواصلها مع قارئها، لتتيح له رؤية صور المرأة من زوايا مختلفة. تعرض أمامنا شخصيتين متناقضتين، الأولى: سيدة أعمال متزوجة، لا تأبه بأسرتها، والأخرى: فتاة تسعى لإثبات ذاتها أمام أخيها التوأم، دون أن تعي انقيادها الأعمى للسلطة البطركية. في حين تستخدم عناصر المسرح العبثي في مسرحيتها موت بطل. تقدّم لنا شخصيتين لرجلين على خشبة المسرح، هما في الواقع يمثلان رجلاً واحداً، ثنائي الشخصية، ويعيش في تناقضات داخلية. إعلان هذا الرجل بطلاً جماهيرياً، يظهر المفهوم السائد والنمطي للمجتمع أن البطولة تخص الذكور دون الإناث.

عالمية مسرحها تتجلى في مسرحيتي “على الحدود”، و”الأغنية التي كتبت نفسها”، لتتناول في كلتيهما مسألة الصراع العالمي القائم على أساس الأيديولوجية وقوى السلطة المهيمنة في العالم. أما “الأغنية التي كتبت نفسها” فهي أقرب إلى المسرح التقليدي في عناصرها، كما أعطت فيها أهمية للعلاقات الاجتماعية وأدرجت قضية المرأة في سياقها. في حين، تعتمد في مسرحية “على الحدود” على عناصر المسرح العبثي.

يتضح من خلال ما سبق، فعدالت آغا أوغلو وإن طرحت القضية نفسها، في مجمل مسرحياتها، لكنها تتناولها بأسلوب مختلف، في عرضها على قارئ نصوصها.

مسرحيات عدالت آغا أوغلو، تُبقي القارئ بعيداً عن جمالية المسرح وتقوده إلى حكم واضح أو حل وتضمن توافقه. فالكاتبة تهدف إلى تقديم مسرح فكري مرئي وناقد سواء إلى القارئ أو المشاهد، متجنبة أنماط المسرح التقليدي، وتعرض مفهوماً مختلفاً للمسرح من خلال ديكوره وعالمه الخاص، ومضمونه النصي وأدوار شخوصها. ويمكن أن نلاحظ في مسرحها، أفكاراً فنية مشابهة لأفكار لوي ألتوسير وتجانساً باعتبار الإبداع الأدبي إنتاجاً وليس انعكاساً، وذلك بتجنبها تبنّي الأيديولوجيات القائمة في المجتمع.

المراجع والمصادر:

Ağaoğlu, Adalet (2005). Toplu Oyunlar I, İstanbul: Yapı Kredi Yayınları.

Ağaoğlu, Adalet (2005). Toplu Oyunlar II, İstanbul: Yapı Kredi Yayınları.

Ağaoğlu, Adalet (2005). Toplu Oyunlar III, İstanbul: Yapı Kredi Yayınları.

Erman, Burcu Kan (2010). “Adalet Ağaoğlu’nun Kozalar Oyununda Dramatik Metnin Çağdaş Uyarlamasından Performans Metnine: Göstergebilimsel Bir Yaklaşım” Tiyatro Araştırmaları Dergisi, 30:2010/2.

İpşiroğlu, Zehra (1998). 2000’li Yıllara Doğru Tiyatro, İstanbul: Mitos Boyut Yayınları.

Schwenk, Süheyla Mukaddes (2009).Adalet Ağaoğlu’nun Oyunlarinda Toplumsal Eleştiri”. Unpublished MA Thesis, Istanbul: Haliç University, Social Sciences Institute.

Şener, Sevda (2016). “Tiyatro Eserlerimizde Kadın İmajı ve Kadın Sorunları”, Retrieved from http://dergiler.ankara.edu.tr/dergiler/26/1242/14183.pdf (20 October 2016).

Aytaş, Gıyasettin (2013). “Adalet Ağaoğlu’nun Tiyatrolarında İnsanın İnsana Anlatılması” Türkbilig, 2013/26: 107-128.

نشرت الدراسة في الكتاب التالي: بينغو، الشرانق، موت بطل، الخروج لعدالت أغا أوغلو، ترجمة: صفوان الشلبي، مراجعة ودراسة نقدية: محمد حقي صوتشين، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2017

Bir Cevap Yazın